Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
19 février 2010 5 19 /02 /février /2010 11:02

كنت أمشي وحيدا شاردا تحت أشعة شمس ملتهبة حينما التقيت صديقا لي لم أره منذ مدة... سألته عن حاله و سألني عن حالي..عانقنا بعضنا بحرارة و مشينا سوية لا نأبه بالشمس تشوي وجوهنا.حدثني عن"تمازيرت" وعن جديد الناس والأمكنة، كنت متلهفا لعذوبة حكيه فسألته عمن ولد و من مات ومن تزوج، عن الثقافة والرياضة و"السياسية" وعن تفاصيل التفاصيل..عرجنا في لحظة على ذكريات كالشهد عشناها معا، تذكرنا بكثير من السخرية ما فات، ضحكنا كثيرا كما اعتدنا أن نضحك، مشينا و مشينا و مشينا إلى أن هدنا الإرهاق فعدنا كما اعتدنا إلى معقل مراهقتنا و شبابنا، عدنا إلى مقهى "أغلال"، دخلنا إليها في قمة الانتشاء، تأملنا الوجوه الحاضرة و استحضرنا الغائبة بكل حسرة و جلسنا نحتسي أكواب شاي معتق ذكرنا بالذي مضى. صديقي هذا كان دائما شابا خجولا جدا، هكذا كان و هكذا هو اليوم أيضا، حينما كان طفلا صغيرا لم يعتد أن يخرج من البيت إلا و يده في يد أمه ،أمه رحمها الله كانت قاسية جدا، ربما لذلك صار هو خجولا،كانت تخرج علينا كالجنية تسب آبائنا و أجدادنا "جد يحفر جد" إذا ما نحن تجرانا على طرق بابه،وكم كانت تتوسل إلينا أن نبتعد عن طريقه و كأنها لم تكن تريده أن يتعلم منا أي شيء،،أي شيء، ربما لأنها كانت تعتبرنا جميعا أصدقاء سوء لا يتعاونون إلا على الإثم و العدوان و "قلة الحيا" بالضرورة، كنا نحسه كالمعتقل لذلك غالبا ما توسلنا أمهاتنا في كل مرة للتدخل في محاولة "للإفراج" عنه لكنها كانت صارمة، صارمة جدا ، وفي كل مرة كانت تجيب بنفس "اللازمة" :
-"الالا اعطيوني التيساع، خليوني نربي ولدي، و كلها يديها فتريكتو و فتامارتوا".
حينما كنا زملاء له في المستوى الابتدائي كانت أمه ترافقه في كل تحركاته، تصعد به الثل في اتجاه المدرسة، تلاحق شغبه كالمجنونة و هو يقفز بين الأحراش ، يجري خلف خراف و ماعز  "دا مبارك" وكأنه يكتشف هذه الحيوانات لأول مرة ،يخترق "أحواض" النعناع بكل عبث الدنيا ،يلطخ ملابسه، يفجر حرمانه،وأحيانا يجري بكل قواه نزولا في اتجاه الوادي،تلاحقه تهديداتها لكنه لا يكترث،تنادي على العم "امبارك":
- "أمز أمز "أدا مبارك" أمزي اويس الحرام" ،لكن العم "امبارك" لا أذن صغت و لا عين ترى"،في كل مر ة كانت  تصرخ في وجهه ب "لازمتها" أما نحن فكنا كل صباح و في كل مساء نتابع الفيلم من بعيد..نتعاطف مع "بطلنا" لأنه صراحة يدوخها ..أتذكر أيضا حينما كنا تلامذة بالإعدادية وحتى في الثانوية كيف كانت تتسمر غير بعيد عن باب المؤسسة كقوات التدخل السريع و ما إن يظهر حتى تنقض عليه و تسحبه من يده في اتجاه البيت..الله يرحمها روح

سألت صديقي ونحن على باب المقهى:

- لو أنك دعيت لإعادة تجربة حياتك، هل كنت ستختار نفس المسارات، يتم و خجل وصراع أيديولوجيات و كل ما استتبع ذلك ؟

-ربما

 -عجيب،،، أتعلم..صراحة لو قدر لي يوما أن أكتب عن طفولتي لربما اخترت لها كعنوان "طفولة بين مزبلتين"، أتذكر كم نقبنا في المزابل بحثا عن مجهول ما؟ أتذكر عندما كنا صغارا جدا، لم تكن الأمهات تجدن أدنى صعوبة في البحث عنا،فنحن إما مرابطون على هضبة "بدوز بن العرابي" و إما في قمة ثل "بدوز بناني"..هل ترضى لأبنائك اليوم طفولة كالتي عشتها؟

ضحك صديقي كثيرا ثم قال بسخريته المعهودة :

- "أو مالها مارديتيش بيها أو لا، كانت أيام زينة.. و بزاف عاد

-و منين جاها الزين؟ قلت و قد اعتلاني الإحباط

- لازلت متشائما كما عرفتك يا صاحبي ، إنها أيامنا كيفما كان الحال لا تتنكر لها، إنها الأيام التي صاغت وعينا ولاوعينا أيضا، لكنه الحرمان فقط من يجعلنا نتصور أننا كنا و لازلنا نركض في مشهد "سيزيفي" مثير للشفقة خلف "انانا" المفتقد  ،وما إن نكتشفه أو ندركه حتى نفقده من جديد ،انه الإحباط لا أكثر من يشعرنا أننا إزاء نكسة الأرنب والجزرة..

-إحباط لا أكثر و هل هناك شعور أقسى من الشعور بالإحباط؟

-الجحود و نكران الجميل أقسى..إنها لعبة ذهنية مسلية فعلا يا صديقي أن تعود بذاكرتك في كل مرة إلى الوراء و أن تساءل نفسك حول مسارات حياتك، هل كنت فعلا مجرد مشروع ،أسست لحياتك بتلقائيتك وعفويتك و بتحديك لذاتك و لشروط حياتك أم انك كنت مجرد دمية ؟ أن تعود لقراءة كتابك لحظة مهمة جدا، مادامت تجعلك تلمس فعلا أن الحال لم يعد هو الحال، و مادامت تزرع في أحشائك بذرة أمل.. لكن احذر أن يوحي لك التذكر بأنك تخلفت عن الركب .. احذر علامات الشيخوخة.

 رضوان أيار

Partager cet article
Repost0

commentaires